ملاحظات حول العدوان الإسرائيلي الجديد على لبنان

 

 

·       ما يحدث في لبنان من عدوان إسرائيلي واسع وشامل يؤكّد من جديد خطأ المراهنة على الحماية الأجنبية، فهاهو لبنان من أقصى شماله إلى كلّ جنوبه يتعرّض للعدوان الإسرائيلي حيث تُستباح المنشآت المدنية والمدنيين والطرقات والجسور العامّة فيما تعتبره إسرائيل ردّاً على عملية كانت محصورة أصلاً بالشريط الحدودي وبعناصر عسكرية إسرائيلية..

 

·       أين واشنطن وباريس وكلّ ما صدر عنهما على مدار أكثر من سنة ونصف من تأكيد على حماية لبنان والحرص على سيادته؟

 

·       أليس ما يحدث هو انتقام إسرائيل من وطنٍ أجبرها على الانسحاب المذلّ عام 2000؟

 

·       أليس ما يحدث هو تهديم للاقتصاد اللبناني الذي حرصت إسرائيل على ضربه وإضعافه منذ عام 1968 حينما أغارت على مطار بيروت ودمّرت طائراته دون أيّ مبرّر أو سبب آنذاك سوى الرغبة بتهديم لبنان بعد أن كان هو الدولة العربية الوحيدة المجاورة لها التي رفضت الدخول في حرب عام 1967؟

 

·       أليس ما يحدث هو انتقام إسرائيلي أيضاً من الدولة اللبنانية التي كشفت مؤخّراً عن شبكة الإرهاب والتخريب الإسرائيلية وفضحت دورها على الساحتين اللبنانية والفلسطينية؟

 

·       أليس ما يحدث هو محاولة إسرائيلية جديدة لزرع الفتنة بين اللبنانيين بعدما فشلت لأكثر من عام محاولات إسرائيل في تحقيق ذلك؟

 

·       ربما ما يحدث الآن هو المحطة النهائية في الأزمة اللبنانية التي بدأت في أواسط السبعينات، فإمّا أن يخرج اللبنانيون منها منتصرين موحَدين رابحين لوطنهم ولأرضهم ولأنفسهم، أو أنّهم سيعودون فعلاً أكثر من عشرين سنة للوراء كما قال زعماء العدوان الإسرائيلي. الأمر سيتوقّف ليس على حجم الدمار والعدوان بل على كيفيّة تعامل اللبنانيين مع هذا العدوان ونتائجه.

 

 

·       هناك الآن سلة من القضايا الكبرى المتفجّرة وهي بمثابة أوعية متّصلة في قاع كلٍّ منها لكنّها مفتوحة في رأس كلٍّ منها لأشكال مختلفة من الأزمات ومن الأطراف. فما يحدث مع لبنان اليوم ليس منفصلاً عمّا يحدث في فلسطين، ولا عمّا يحدث في العراق أو في الأزمة الأميركية الأوروبية مع إيران .. وبإمكان واشنطن الآن، وهي تشارك في قمة مجموعة الدول الثمانية، أن تأخذ المبادرة بدعوة إسرائيل لوقف لوقف العدوان على اللبنانيين والفلسطينيين وأن تحصل مفاوضات تشارك فيها كلّ الأطراف من خلال مؤتمر دولي شبيه بمؤتمر مدريد الذي حصل في مطلع التسعينات.

·       الحديث الإسرائيلي عن مسؤولية الحكومة اللبنانية عمّا حدث يوم الأربعاء هو شبيه بالمقولة الإسرائيلية المتكررة عن مسؤولية السلطة الفلسطينية عن عمليات المقاومة .. فالمراهنة الإسرائيلية هي على حدوث حرب أهلية فلسطينية وحرب أهلية لبنانية.. أي أن يصطدم الجيش اللبناني مع حزب الله وأن تتصارع قوات أبو مازن مع حركة حماس. فالنموذج الفوضوي الدموي العراقي هو المطلوب إسرائيلياً الآن في كلٍّ من لبنان وفلسطين.

 

·       المشكلة الكبرى الآن، أنّ الدولة الأكبر في العالم تكتفي بدور النائب العام الذي يوزّع الاتهامات والإدانات دون أّيّ تحرّك جدّي لإنهاء أسباب التأزّم والانفجار الحاصل.

أيضاً المشكلة الآن، أنّ الدولة العربية الأكبر تكتفي بدور الوسيط بدلاً من قيادة موقف عربي ضاغط على المجموعة الدولية، وبدلاً من قطع العلاقات مع إسرائيل وتحميلها مسؤولية التأزّم الشامل.

 

·       كلام بوش عن حقّ كلّ الدول بالدفاع عن نفسها ضدّ الإرهاب ينطبق أصلاً على حقّ لبنان بالدفاع عن نفسه ضدّ الإرهاب الإسرائيلي. أليس الإرهاب هو قتل المدنيين والتعرّض لممتلكات مدنية واستخدام أسلوب التدمير العشوائي؟

 

·       المجتمع الدولي مسؤول عن التصعيد الحاصل الآن، وخاصّة الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لأنّ تهميش الملف الفلسطيني لأكثر من ست سنوات وترك حرية الحركة لإسرائيل في الأراضي المحتلّة هو الذي دفع إلى التصعيد المتواصل هناك.

 

كذلك منذ عام 2000، استمرّت قضية مزارع شبعا كالقنبلة الموقوتة في الجنوب اللبناني. فلو ضغطت  واشنطن عام 2000 على إسرائيل للانسحاب الكامل لما كانت هناك مبرّرات الآن لهذا الوضع المتفجّر في الجنوب اللبناني.

 

فتهميش واشنطن في ظلّ إدارة بوش لملفّ الصراع العربي/الإسرائيلي طوال السنوات الست الماضية وتركيز هذه الإدارة على العراق، هو المسؤول الأوّل عن التأزّم والانفجار الحاصل الآن في فلسطين ولبنان وعموم الشرق الأوسط.

 

 

 

صبحي غندور

الخميس 13 تموز/يوليو 2006

 

 

 

فتنة زمن الحرب!

صبحي غندور*

 

هل ما قام به "حزب الله" يوم 12 تموز/يوليو كان مغامرةً سياسية وعسكرية؟

فلنسلّم بذلك جدلاً،  فما الذي قام به "حزب الله"؟

لقد كانت عملية عسكرية في موقع حدودي بين بلدين ما زالت حالة الحرب قائمةً بينهما، وما زال هناك معتقلون لبنانيون في السجون الإسرائيلية، وما زالت هناك أرض لبنانية محتلّة، كما هناك شبكات تخريب وإرهاب إسرائيلية جرى الإعلان عنها من قبل السلطات اللبنانية قبل أسابيع قليلة.

إذن، ما قام به "حزب الله" كان في سياق الصراع المفتوح بين لبنان وإسرائيل منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي ولم ينتهِ بالانسحاب الإسرائيلي الذي حدث في العام 2000.

فانسحاب إسرائيل من لبنان، كما انسحابها من غزّة، كان قراراً من طرف واحد دون أيّ اتفاق مع الطرف الخاضع للاحتلال، وهذا الأمر يعني استمرار حرّية الحركة للعدوّ المحتلّ أينما شاء ومتى شاء ذلك.

ثمّ كيف يجوز تمرير المنطق الذي تطرحه واشنطن وعدد من الدول الكبرى بأنّ من حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها ضدّ (الإرهاب)، بينما ما حدث في غزّة وجنوب لبنان كان عمليات عسكرية ضدّ عسكريين فقط، في حين جاء الردّ الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزّة وعلى اللبنانيين على أرض لبنان كلّه مطابقاً تماماً للتعريف الدولي للإرهاب من حيث استهدافه للمدنيين ولمنشآت مدنية!

إن الرابط الأهمّ بين ما حدث في غزة وجنوب لبنان، هو قناعة المقاومة الفلسطينية واللبنانية بعدم جدوى المراهنة على التسويات السياسية مع إسرائيل كطريق لإنهاء الصراع العربي/الإسرائيلي أو لتحرير الأرض واستعادة الحقوق ..

هذه القناعة نفسها أعلنها المؤتمر الأخير لوزراء الخارجية العرب من خلال نعي الأمين العام للجامعة العربية لعملية السلام ولمشاريع السلام!

ومن المسؤول عن ذلك؟ ليس حتماً الأطراف العربية التي سارت ربّما أكثر من اللازم في خطوات العلاقة والتطبيع مع إسرائيل رغم عدم التسوية الشاملة ..

المسؤول الأوّل عن ذلك هو الإدارة الأميركية الحالية التي اختارت منذ مجيئها أولويّة الحرب على العراق ثمّ أعطتها جماعات التطرّف والعنف العشوائي كلّ الأعذار المناسبة لبدء أجندتها الحربية في العالم كلّه ..

وكان تهميش الإدارة الأميركية الحالية لمسألة الصراع العربي/الإسرائيلي، وللملفّ الفلسطيني تحديداً، بمثابة ضوء أخضر لحكمٍ آخر متطرّف في إسرائيل بأن يمارس أبشع أنواع العدوان على الشعب الفلسطيني مستغلاً اهتمام العالم بالحرب على الإرهاب وانشغال أميركا بالأولوية العراقية ..

هي إذن مسؤولية دولية وأميركية وإسرائيلية في دفع المنطقة لاحتقان شديد يجري التعبير عنه بأشكال مختلفة من العنف المرفوض أحياناً أو المقاومة المشروعة أحياناً أخرى ..

 

وحينما تكون الكلمة الكبرى في العالم للسلاح والحرب، فمن الطبيعي أن تجد هذه الكلمة صدًى لها في قضايا وأزمات دولية، ولدى أطراف تخوض أصلاً معارك التحرّر الوطني من الاحتلال ..

لكن ما الذي دفع ب"حركة حماس" في غزّة و"حزب الله" في لبنان إلى اتخاذ قرار بعمليات عسكرية وأسر جنود إسرائيليين رغم إدراك المنظمتين لاحتمالات ردود الفعل الإسرائيلية؟

المشترك بين "حماس" و"حزب الله" ليس فقط التجانس العقائدي وأسلوب المقاومة المسلّحة والعلاقات الخاصّة مع دمشق وطهران، بل أيضاً الظروف الصعبة التي قرّرت الإدارة الأميركية وضعهما فيها.

فالإدارة الأميركية تبنّت المفهوم الإسرائيلي للإرهاب الذي يضع أيّة مقاومة مسلّحة للاحتلال الإسرائيلي في خانة الأعمال الإرهابية، وبالتالي أصبحت حركة "حماس" في الأراضي الفلسطينية المحتلّة و"حزب الله" في لبنان منظمتين إرهابيتين بالتصنيف الأميركي، بينما أعطى الفلسطينيون في الضفّة وغزّة غالبية أصواتهم لمرشّحي "حماس" في الانتخابات الأخيرة، وحاز "حزب الله" على دعم معظم اللبنانيين والعرب بعد نجاحه في طرد الاحتلال الإسرائيلي من لبنان عام 2000.

وقد ضغطت الإدارة الأميركية على أطراف دولية وعربية عديدة من أجل دفع "حماس" لتكرار ما قامت به منظمة التحرير الفلسطينية عام 1994 في اتفاق أوسلو من اعتراف بإسرائيل وتخلّي عن أسلوب الكفاح المسلّح مقابل الاعتراف بها فقط وليس الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني.

ومارست واشنطن وتل أبيب ضغوطات مكثّفة على رئاسة السلطة الفلسطينية الحالية والسابقة من أجل التصادم مع "حماس" ونزع سلاحها. وكانت الفترة التي سبقت العملية العسكرية الأخيرة في غزّة حافلةً بالصراعات المسلّحة بين "فتح" و"حماس" وبإمكانية انفجار الصراع الشامل بينهما والحرب الأهلية الفلسطينية ..

الظروف نفسها أوجدتها واشنطن في لبنان من خلال التحريض الدولي والعربي واللبناني على تنفيذ القرار 1559 لجهة الإصرار على نزع سلاح "حزب الله". وكانت المراهنة الإسرائيلية المدعومة أميركياً أن يؤدّي ذلك في لبنان إلى صراع لبناني داخلي مع "حزب الله" حتى لو مرّ طريق هذا الصراع في دهاليز فتنة مذهبية أدرك مخاطرها اللبنانيون والأطراف المعنيّة فعملوا على تجنّب دفع التأزّم السياسي إلى فوضى أمنية.

إذن، ربّما اختارت "حركة حماس" وبعدها "حزب الله"  تنفيس الاحتقان الداخلي الحاصل  من خلال عمليات عسكرية ضدّ الجنود الإسرائيليين واحتجاز أسرى منهم (علماً بأنّ لكلا الطرفين أسرى لدى إسرائيل لا سبيل لفكّ أسرهم سوى مبادلتهم بأسرى إسرائيلين)، بحيث تتّجه الأنظار من جديد إلى العدوّ الحقيقي وأهدافه وممارساته العدوانية كخيار أفضل من الحروب الأهلية أو من استنساخ الحالة العراقية في الساحتين اللبنانية والفلسطينية.

إنَّ الأوْلى لبنانياً وفلسطينياً وعربيّاً الآن هو التحرّك الشامل لوقف العدوان الإسرائيلي بدلاً من لوم هذا الطرف أو ذاك. فالفتنة كانت مطلوبةً قبل هذه التطوّرات، والفتنة مطلوبة الآن خلالها وبعدها. الفتنة بين الفلسطينيين وبين اللبنانيين وبين العرب كلّهم .. فتنة شبيهة بالواقع المؤلم الموجود الآن في العراق لكي يكون حالة عربية عامّة تنهي أيّ مقاومة لأيّ احتلال وتجعل العدوّ هو المواطن العربي الآخر.

الأوْلى عربياً الآن هو التحرّك الدولي لتصحيح السياسة الأميركية والدولية التي جعلت من إسرائيل - بدعمها المطلق لها- "شعب الله المختار" الذي يحقّ له ما لا يحقّ لغيره، فقد أعطى المجتمع الدولي لإسرائيل حقّ الدفاع عن النفس (كدولة محتلّة) باستخدام أساليب إرهابية (ضدّ شعوب خاضعة للاحتلال) وفي اختيار ما تراه مناسباً من قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية.

وأصبح لإسرائيل حق تدمير غزّة ولبنان لإطلاق أسرى جنود بينما لا يحقّ لمقاتلين فلسطينيين ولبنانيين حقّ القيام بعملية عسكرية فوق أراضيهم ضدّ قوات محتلّة من أجل الإفراج عن آلافٍ من المعتقلين المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين!!

الأوْلى عربياً الآن هو الضغط الشعبي من أجل وقف كلّ أشكال التعامل والعلاقات مع إسرائيل عوضاً عن القيام بدور الوسيط بين الحقّ والباطل، وبين القاتل والضحيّة..

الأوْلى عربياً وأد الفتنة في زمن حرب إسرائيل على العرب بعدما فشل السلام معها..

الأولى لبنانياً وفلسطينياً وعربياً التحرك لوقف العدوان الإسرائيلي.. لا لوم الضحية!

                                                           

* مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

 

 

 

كمال شاتيلا: التراجع العربي الرسمي يشكل خطراً مباشراً على لبنان ووحدته

نطالب بعقد قمة عربية تكون بمستوى المخاطر على لبنان وفلسطين والأمة

اسرائيل هي التي أعلنت الحرب على لبنان.. والقوات الدولية فشلت في حماية لبنان

 

****

 

أوضح كمال شاتيلا، رئيس "المؤتمر الشعبي اللبناني"، مسائل محددة عن المخاطر التي يواجها لبنان، من وجهة نظر التيار الوطني العروبي المؤمن، مطالباً بطرحها في المحافل العربية من أجل قراءة عربية رسمية واقعية منطقية للأحداث التي تشهدها لبنان:

 

أولها: ان لبنان تعرض لاقتطاع سبع مزارع من أرضه في شبعا عام 1967 ولم يكن مشاركاً في الحرب ضد إسرائيل ولا كانت تواجدت على أرضه مقاومات فلسطينية أو لبنانية ولا قوات سورية, وكان لبنان يومها ملتزماً بسياسة "قوة لبنان في ضعفه" مقتنعاً بالحماية الغربية لكيانه! وقد اثبتت تجارب حروب اسرائيل في لبنان رغبتها العملية في احتلال جزء من أرضه وتقسيم شعبه, ولم تفهم اسرائيل الا لغة المقاومة كي تنسحب عام 2000 محتفظة بمزراع شبعا التي تزيد مساحتها عن مئتي كلم2.

ثانياً: ان ضعف الجيش اللبناني وعدم مشاركة لبنان في حربي 67 و 73 ترك فراغاً ملأته المقاومة الفلسطينية إلى أن رحلت إثر اجتياح عام 1982, ولما تواصل الاحتلال الإسرائيلي بجنوب لبنان كان من الطبيعي ان تنشأ مقاومات لبنانية اجبرت إسرئيل على الانسحاب.

ثالثاً: بما ان الجيش اللبناني، كجيش نظامي، لا يمتلك مرونة المقاومة, وبما ان اسرائيل لا زالت تحتل مزارع شبعا وتحفظ بأسرى لبنانيين وتستبيح مياه أنهار الجنوب وتواصل تخريب لبنان عبر شبكات تجسس وتخريب كشفها الجيش اللبناني منها أربعة عشر شبكة، كانت آخرها في الشهر الماضي، فكان من الطبيعي ان تتمسك أغلبية اللبنانيين بالمقاومة كقوة لاستكمال تحرير مزارع شبعا، ثم كقوة إلى جانب الجيش اللبناني كحالة دفاعية بوجه أطماع إسرائيل.

رابعاً: ان الوصاية الاطلسية على لبنان نشأت منذ صدور القرار 1559، هذه الوصاية لم تجبر إسرائيل على الانسحاب من مزراع شبعا واحترام سيادة لبنان، ولم يتحرك سفير أجنبي ليستنكر الشبكة الإسرائيلية في لبنان، بل ان العدوان الآن على لبنان لا يلقى لدى الاطلسيين اي اهتمام لوقف العدوان ووقف اطلاق النار، مما يدل على ان شعارات السيادة والاستقلال التي نادى بها الاطلسيون للبنان هي فارغة تماماً.

خامساً: ان عملية المقاومة باختطاف جنديين الإسرائيلين كان يحدث مثيلها، ويبقى إطار المعركة محصوراً بمزارع شبعا على الحدود, فالمقاومة لم تعلن الحرب على إسرائيل، واعلان الحرب يتطلب مشاورات لبنانية وعربية. وعملية المقاومة وُجهت ضد الجيش الاسرائيلي وليس ضد مدنيين، لكن إسرائيل هي التي أعلنت الحرب على لبنان وعلى ركائز الدولة والمدنيين لتحقيق غايات أميركية – اسرائيلية في لبنان للاسباب التالية:

أ- ان مشروع الشرق الأوسط الكبير الرامي إلى تمزيق وحدات سبع دول عربية بدءاً بالعراق والسودان, يتقدم الآن نحو سوريا ولبنان، وهو لا يحتاج الى استفزاز كي يتواصل.

ب- ان الرئيس جورج بوش أبلغ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة خلال زيارته لواشنطن منذ شهر علناً "بأن لبنان يجب ان يكون نموذجاً لمشروع الشرق الاوسط الكبير".

جـ - ان دايفيد ولش نائب وزيرة الخارجية الأميركية أعلن منذ أسبوعين أن الأوان آن لابرام معاهدة سلام بين لبنان وإسرائيل، والسفير الاميركي الاسبق في لبنان ريتشارد باكر أعلن منذ عشرة أيام من باريس (وقبل العدوان الإسرائيلي) بأن حل مشكلة لبنان في الفيدرالية (اي التقسيم).

سادساً: ان الثالوث الأميركي البريطاني الفرنسي يتجاوز بالكامل الحل العربي للمسألة اللبنانية والذي أبرم في الطائف عام 1989، ويحارب أية مبادرة عربية حيال لبنان، وهذا الثالوث هو الذي يسود الساحة الآن بالتعاون مع أطراف حكومية وحزبية موالية لهذه الوصاية الاجنبية، بحيث أن غياب مبادرة عربية انقاذية للبنان ولاتفاق الطائف يشجع القوى الأطلسية على عزل لبنان عن الامة واستفراده وجعله ملحقاً للكيان الصهيوني.

سابعاً: ان كل التخريب الذي أحدثته اسرائيل في لبنان لم يضعف المقاومة اللبنانية ولا أضعف حالة الصمود الوطني, وكل البعثات الاجنبية للأسف هي رسائل من إسرائيل لتسليم الأسيرين الاسرائيليين دون أن يتحرك سفير أطلسي ضد العدوان أو لوقف اطلاق النار.

ثامناً: ان الشعب اللبناني يتطلع إلى البلدان العربية للتضامن معه في هذه المحنة وذلك بتشكيل لجنة أمن قومي عربي تتولى تقديم كل أشكال الدعم للبنان وطرح قضية العدوان في كل المحافل الدولية، وإحداث ضغوط على اسرائيل والولايات المتحدة، فالمعركة ليست بين المقاومة وإسرائيل ولكنها حرب من جانب إسرائيل واميركا ضد وحدة لبنان وعروبته واستقلاله لا تميز بين مسيحيين ومسلمين ولا بين سنة وشيعة، والناس تتساءل هنا: أين مصير معاهدة الدفاع العربي المشترك؟ وأين التضامن مع هذه البلد العربي المنكوب؟

ان التراجع العربي الرسمي عن التضامن مع لبنان يشكل خطراً مباشراً على عروبة لبنان ووحدته، فالوقت الآن ليس للتساؤل عن توقيت العملية الفدائية التي كانت محدودة بالأصل، ولم تكن إعلان حرب على اسرائيل من جانب المقاومة، ولكن المخاطر الآن تتطلب وقفة عربية تنسجم مع الحالة الشعبية العربية ومع موجبات الدفاع عما تبقى من الامن القومي العربي، خاصة وأن مشروع الشرق الأوسط الكبير يتنقل من بلد عربي إلى آخر ويحمل الخراب الشامل كما هي الحالة العراقية.

لذلك نطالب بعقد قمة عربية تكون بمستوى التحديات والمخاطر على لبنان وفلسطين والأمة. وأقول للمسؤولين العرب إن الأغلبية الشعبية اللبنانية في حالة صمود وطنية لا تقبل بقوات دولية أثبتت فشلها في حماية لبنان من اسرائيل, ولا تقبل بالفدرالية التقسيمية ولا تقبل بالوصاية الاجنبية. وباستثناء أصوات نشاذ تبرر العدوان والوصاية الاجنبية، فإن أغلبية اللبنانيين تتمسك بدستور الطائف وثوابته في وحدة لبنان وعروبته واسقلاله, وتريد إحياء المبادرة العربية لانقاذ لبنان قبل وقوع الكارثة التي ستنتقل إلى بلدان عربية اخرى.

 

 

 

حرب مفتوحة

حول الناس والعدوان

عزمي بشارة

تمسك الناس اعصابها عندما تسمع محاميا من الدرجة الرابعة، مشغولا باختيار ربطات العنق وإثبات أنه الأكثر فهلوية و<تشبيحاً> في الصف المدرسي الذي لم يغادره عقلا، وهو يهدد بقتل رجل بحجم السيد حسن نصرالله وغيره من قيادات المقاومة اللبنانية. ومن حيث كثافة التجربة والعمق الإنساني والتواضع يساوي سهر قيادات المقاومة ليالي معدودات عمره كله. تضبط الناس أعصابها لأنها لا تعرف كم هو تافه ونصاب ومتوسط الذكاء وصغير ومغرور ذلك الشخص المسمّى روني بار أون الذي أصبح وزير داخلية، لأنه خائن وعديم الولاء لمن صنعه وشم رائحة ترشيح وكرسي ومنصب عند شارون.

لا عبقرية ولا شجاعة ولا ذكاء، بل رجال متوسطون وجبناء وانتهازيون، ولكنهم يملكون تفوقا عسكريا ويديرون ماكنة دولة، دولة فعلا، دولة مرتاحة في هويتها ولديها أمن قومي وتعبئة قومية. لا ذكر لتفوق فردي بل مؤسساتي. مزعومة أم غير مزعومة، مشروع دولة قومية للأسف، في مقابل دول قامت على أنقاض الهوية القومية. وفي المقابل حركة مقاومة في مجتمع طائفي مذهبي ودولة محيدة إلا عن الطائفية، ونظام عربي يشجع جزء منه إسرائيل على تنفيذ ما عجز هو عن تنفيذه: التعامل مع المقاومة كميلشيا، ومع <الشرعية الدولية> ككلمة أخرى لانعدام الشرعية الوطنية والإنسانية عندهم.

ليس السؤال اختيار المقاومة هذا التوقيت، فقد قامت بمحاولات أسر فاشلة عدة في الأشهر الماضية. الفرق أن هذه نجحت. وأن جنودا إسرائيليين قتلوا ليس في القتال خلال الأسر بل لأن دبابتهم صعدت على لغم وهي تلاحق الخاطفين بمبادرتها. السؤال هو لماذا اختارت إسرائيل هذا التوقيت لفتح معركة شاملة؟

الجواب عند العرب وأميركا الذين لم يتمكنوا من تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي الرقم ,1559 وهو ما تبقى من الشرعية الدولية عند أنظمة تنقصها الشرعية الوطنية والإنسانية. وجاءت إسرائيل تنفذ. والغطاء قائم. والفرق بين هذه الأيام وأيام القصف والغضب من أيام الحساب الى عناقيد الغضب 1993-1996 هو وجود مشروع سياسي بديل مطروح للبنان، لبنانياً وعربياً. وقد تعثر المشروع في الأشهر الأخيرة، ولم يعد قادراً على طرح ذاته بأدواته. على هذا تراهن إسرائيل، والرد العربي القادم من دول رئيسية يؤكد رهانها. أما الساحة اللبنانية فسوف تفاجئهم.

الهدف الإسرائيلي تغيير قواعد اللعبة بين إسرائيل ولبنان، وفي داخل لبنان أيضا. هذا هو وجه الشبه الوحيد مع حرب .1982 الفرق السلبي هو في الظروف الدولية والإقليمية، والفرق الإيجابي يكمن في قوة المقاومة، وهي لبنانية هذه المرة، وليست فلسطينية، أكرر يكمن الفرق في قوة ودرجة تنظيم المقاومة، ولا بأس أن نكرر أيضاً الإشارة إلى فرق آخر هو أن لبنان ليس مقبلا على 17 أيار بل يعتبر تلك التجربة خلفه لا يريد أن يتذكرها. المبادرة بيد لبنان، شعبا ومقاومة. هو وحده القادر على إحباط المؤامرة. سوف تتقاطر وفود دولية لقطف نتائج العدوان، سوف تحضر وفود دولية لتعد لبنان بوقف إطلاق النار إذا نفذ القرار ,1559 وأنه لم يعد هنالك مبرر بعد أن صور الجيش الإسرائيلي للمجتمع اللبناني النتائج، وبعد أن قام بإضعاف المقاومة مباشرة بضربها، كما يعتقدون أو يتوهمون، واقصد بالمقاومة أيضا مناعة البلد.

أميركا ترشِّد الضربات الإسرائيلية بحيث تمس بالمقاومة دون المس بمشروعها في لبنان، وبحيث تبتز وتخيف حلفاء أميركا من دون أن تحطمهم أو تبعدهم أو تدفع جمهورهم إلى أحضان المقاومة. والفرق بين إسرائيل وأميركا هنا فرق تكتيكي لكنه مهم، فهو مرتبط بدرجة الضغط على حلفاء أميركا ومتى يتحول التخويف إلى تكسير. وهي في الوقت ذاته تشجع إسرائيل على توسيع حلقة التهديد إلى سوريا. فأميركا تريد من إسرائيل ان تساعد مشروعها في لبنان ضد المقاومة، لا ان تهدمه خلال عملية ضرب المقاومة.

لقد اتخذت إسرائيل قرارا ان التوقيت الآن مناسب، وان تأجيل المواجهة يفاقم الوضع ويمنح وقتا للمقاومة لتعزيز قوتها كما حصل منذ العام .2000 إنها معركة مفصلية إذاً. صمود وصلابة المقاومة وقدرتها على الرد، ووحدة المجتمع اللبناني في رفض القرار الإسرائيلي للبنان، والذي سرعان ما سوف يتحول إلى خيار إسرائيلي في لبنان هي ليست فقط أسلحة، بل هي ضمان لفشل العدوان بالتكلفة، ولتحول عربي ودولي وانتصار الناس.

جريدة السفير


15 تموز - يوليو 2006
=======================================================================================

حديث عن المقاومة والإرهاب

أحمد ماهر

يوم دام آخر في غزة باستمرار الغارات الإسرائيلية، يوم دام اخر في العراق بتوالي الانفجارات والقتل على الهوية تأكيدا لمخاطر اندلاع حرب أهلية. عناوين تتكرر في الصحف والإذاعات دون ان نرى تحركا فعليا من العالم العربي او المجتمع الدولي لوضع حد لتلك الاوضاع التي على اختلاف اسبابها وتفصيلاتها تكشف عن عجز فاضح في النظام القومي والاقليمي والدولي ينذر بكوارث تجعل ما سمي بالنظام الدولي الجديد اشبه ما يكون بالكابوس وفي خلال ذلك نقرأ آراء تكاد تحمل الضحايا مسؤولية ما يقع لهم وعليهم وتنسى الجاني الحقيقي وهو الاستعمار والعدوان الاسرائيلي والاحتلال الامريكي للعراق تحت دعاوى كاذبة وبعناد غائب وربما وفقا لمخططات تفكيك العالم العربي بعد توجيه اتهامات ظالمة اليه تحمله كله ذنوب بعض الخادعين او المخدوعين منه وتستجيب لنوايا دفينة كاملة وجدت متنفسا لها في تصرفات البعض، ولست أريد أن أخوض في نظريات المؤامرة، ولكني اريد ان اتوقف عند بعض ما قرأته وسمعته عن المقاومة تعليقا على ما يجري والذي يكاد يرفضها تماما حتى عندما يكون البديل لها هو الخضوع والخنوع او الدخول في متاهات مفاوضات لا يبغي منها الطرف الاخر حلا بل التخدير وكسب الوقت لإتاحة الفرصة لتنفيذ مخططات هي بعيدة عن الرغبة الحقيقية في التفاهم والتعايش السلمي.

ولعلي في البداية اتحدث عن مفهومي للمقاومة التي فشل العالم في التوصل الى تعريف واحد لها يمنع الخلط بينها وبين الارهاب وهو فشل مقصود لا اعتقد ان احدا يجهل اهدافه ومراميه.

وليس من شك في ان قتل المدنيين غير المحاربين ارهاب وان تدمير منازل الآمنين إرهاب وان هدم البنية الاساسية لشعب من مساكن ومستشفيات ومدارس ومرافق عامة ارهاب وان المقاومة هي الوقوف في وجه العدوان وجنود وأدوات الاحتلال مع الحرص على عدم تجاوز بعض الحدود حتى اذا كان المعتدي او المحتل يتجاوزها ولا يتوقف عدوانه عندها وقد لا يكون هذا التعريف جامعا مانعا وقد لا يغطي إرهابا نتفق جميعا على رفضه اذ يستهدف المدنيين الآمنين ويتجاوز مسرح عمليات المقاومة الطبيعي والشرعي ولكنه يكفي معيارا للتفرقة بين المقاومة الشرعية والإرهاب الاجرامي بعيدا عن الخلط المتعمد للتشويش والتمويه.

هذا عن تعريف للمقاومة قد يكون مفيدا او غير مفيد وما اذا كان الهدف صادقا في التوصل الى حل يسمح بإدانة الارهاب وعدم الخلط بينه وبين المقاومة فانتهاء المقاومة ـ لمن لا تعجبهم ـ يتم بإنهاء الأوضاع الجائرة من عدوان واحتلال التي تخلق بالضرورة وضد كل قواعد الطبيعة رد فعل مضاد، أما الإرهاب فهو موضوع اخر اثبتت الايام انه لا يمكن معالجته بالقوة الغاشمة وإيجاد وسائل تتيح للناس ان يعبروا عن ارائهم بالقول والفعل السلمي وليس بالسلاح والقنبلة وفي هذا المجال فان الادانة يجب ان تشمل ارهاب الدول مع ارهاب الافراد والإرهاب النابع من محاولة فرض الرأي او النموذج على الغير بتسخيف ما يؤمن به ومحاولة غزو عقله بما يجعله مسخا للغير ولعله ليس في ذلك جديد لا يدركه اي عقل منصف حريص على تسمية الاشياء بأسمائها ووضعها في اطارها دون الدخول في دهاليز السفسطة ومتاهات الانحياز الفكري او المعايير المزدوجة.

وللمقاومة أشكال مختلفة وأدوات متنوعة ليس بالضرورة ان تكون عنيفة فقد رأينا في التاريخ استخدام المقاطعة كنوع من المقاومة الفعالة كما رأينا انواعا من المقاومة السلبية ادت في احوال كثيرة الى نتائج ايجابية ولكننا رأينا في احوال اخرى كيف ادى عنف انواع من العنف تتناسب قوته مع الاساليب التي يتبعها المحتل او المعتدي ومع قسوة متطلبات مواجهته ولا اريد ان أعود إلى أمثلة من الحرب العالمية الثانية حين اشتعلت المقاومة الأوروبية للاحتلال، ولا شك أن إصرار المحتل على اتباع اساليب مثل التي تستخدمها اسرائيل تجاه الفلسطينيين تكون من نتائجها اضطرار الشعب الفلسطيني إلى استخدام أساليب مضادة تساويها ايضا فيما تصيب به المدنيين، ولكن المسؤولية الاساسية تتحملها اذا اردنا الانصاف اسرائيل التي تصر على استمرار احتلالها وإفساد كل محاولة للتسوية الحقيقية وخرق كل الاتفاقيات سواء جهارا نهارا او بأساليب ملتوية تحاول بها تحميل الجانب الاخر المسؤولية وقتل المدنيين بالقصد او الغارات الجوية العشوائية والقصف الذي ضحاياه النساء والأطفال والأبرياء او اعتقال الافراد بدون مبرر او سند قانوني او الغزو والاجتياح بعد التظاهر بالانسحاب او فرض الحصار الذي يحرم المواطنين من ابسط مقومات الحياة من مآكل وعلاج وكهرباء وما الى ذلك من المتطلبات الاساسية كل هذه امثلة ما تقوم به اسرائيل كل يوم وتطالعنا به كل صباح نشرات الانباء المسموعة والمرئية وعناوين الصحف. واذا كان العالم لا يبدي ازاء ذلك رد الفعل الذي يسارع الى ابدائه حتى ولو كله ادانة لفظية فقط في حالات اخرى فهل يطلب من الشعب الفلسطيني الذي يعاني في لحمه الحي الا يرد ومن الطبيعي ان الرد يجب ان يراعي اعتبارات كثيرة وان يأخذ في حساباته الا يتجاوز مدى معينا ولكني من جهة اخرى سمعت الكثيرين يتساءلون عما يضير الغريق من البلل وقد اوصل العدوان الاسرائيلي المستمر الشعب الفلسطيني الى حالة من اليأس والغضب تجعله يستجيب الى الاستفزاز ولكن ذلك لا يمنع من تأكيد حقه في المقاومة، وليس من شك في ان اسر جندي يساهم في العمليات العدوانية وان عرض مبادلته بعدد من المعتقلين بطريقة غير مشروعة من النساء والأطفال هو عرض منطقي من جميع النواحي خاصة اذا كان الاسرائيليون يريدون حقا الحفاظ على حياة الجندي الأسير، والواقع أن ما يعرض حياته للخطر هو الغارات الجوية على مناطق مختلفة قد يكون بينها المكان المحتجز فيه.

وهناك جانب اخر من جوانب المقاومة لم اكن اتصور انه يحتاج الى شرح لولا اني قرأت بشأنه ما أثار عجبي ودهشتي فبعد كل ما حدث لخريطة الطريق وعرقلة إسرائيل للمفاوضات نرى البعض يقولون ان الخريطة والمفاوضات مازالت هى الاسلوب اذا كانت النية هى التفاوض والسلام ، وإلا فبناء الجيوش الحقيقية لمواجهة جيش حقيقي لديه اسلحة تفوق اسلحة العرب مجتمعين. ويضيف القائلون ان القاء صاروخ بدائي على مستوطنه ليتبع ذلك ضرب حقيقي من طائرات اسرائيلية وصواريخ متوفقة هو نوع من المراهقة

ولا اريد الدخول في جدل مع هذه الاقوال ولكني فقط اريد التذكير انه ليس مطلوبا ان تكون المقاومة في نفس قوة من تقاومه بل ان كل الامثلة التاريخية توضح تماما ان العكس هو الصحيح فالمقاومة باستمرار كانت اضعف عتادا وربما اقل عددا ولكنها اذا قدمت لها المساعدات والدعم حتى تأتي اللحظة التي يقارن فيها بين ما كان يأمل ان يحققه تتجاوز ما هو مستعد لقبوله ولا اريد ان اعود الى التاريخ البعيد والى مناطق جغرافية بعيدة ولكني اذكر بان الانسحاب من لبنان ومن غزة مهما كانت الحسابات الاخرى وراءها ومحاولات الخداع المرتبطة بها جاءا في اللحظة التي اكتشف فيها المحتل ان الثمن الذي سيدفعه ليتاح له الاستمرار في الاحتلال اكبر مهما كان حجمه مما هو مستعد لدفعه، ومن هنا قرر الانسحاب المادي مع الاستمرار في استخدام وسائل اخرى لتنفيذ مآربه ومن هنا اهمية ان ندرك ان هناك وقتا للمقاومة ووقتا للمناورة وان القوة المطلوبة ليست دائما القوة المادية بل هناك القوة السياسية والدبلوماسية فالمقاومة العنيفة لها وقتها والأنواع الاخرى لها وقتها ولكن ليس معنى هذا ان نستبعد مقدما انواعا من المقاومة خاصة اذا كانت تراعي الشرعية بحجة عدم تناسب القوى.

اكتب هذا وما زال العنف الاسرائيلي مستمرا وسوف يستمر بأشكال مختلفة حتى اذا تم الافراج عن الاسير وسوف تستمر المقاومة طالما استمر الاحتلال والعدوان بأشكالها وأساليبها المتنوعة حسب مقتضى الحال من دون استبعاد أي منها بحجج واهية طالما انها لا تتجاوز حدود ما هو مشروع.

 

(صحيفة "الشرق الأوسط")

==================================================================================================

الهدف رأس المقاومة

بقلم / طلال سلمان

هي الحرب مجدداً. وهي كسابقاتها إسرائيلية بآلتها

العسكرية، أميركية إسرائيلية مشتركة بأهدافها السياسية المعلنة صراحة أو مواربة.

 وعلينا أن نستعد لمواجهة طويلة ومريرة ومكلفة، لأن الهدف الأول والأخطر هو تغيير قواعد اللعبة، جذرياً، في لبنان بداية، ومن ثم في جواره الفلسطيني وصولاً إلى دمشق <المارقة> وطهران <العاصية>.

 ليس الرد العسكري على نجاح مجاهدي <حزب الله> في أسر الجنديين الإسرائيليين للضغط من أجل الإفراج عن الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية منذ عقود إلا الذريعة. أما الهدف الفعلي فهو وجود المقاومة، ومن ثم دورها المؤثر ليس فقط في السياسة اللبنانية، بل على المستوى العربي عموماً والفلسطيني بشكل خاص.

بل إن هذه المقاومة قد مدّت إشعاعها إلى العراق تحت الاحتلال الأميركي، وقدمت خلاصة تجربتها المتوهجة بدماء الشهداء: بالوحدة يكون التحرير، أما بالفتنة فيكون التقسيم والتفتيت حتى اندثار الوطن.

الهدف، إذاً <تحرير> لبنان من <المقاومة> التي تجاوزت الحدود فوفرت الذريعة لتحقيق المشروع الأميركي الإسرائيلي كاملاً وذلك باللجوء إلى القرار الدولي ,1559 والضغط لتنفيذه بحرفية نصوصه، أي التعامل مع المقاومة على أنها ميليشيا مسلحة، لا بد من تجريدها من السلاح... وكخطوة أولى لا بد من إبعادها عن الحدود بمسافة صواريخها، ولا بد من إيكال مهمة حماية الخط الأزرق إلى القوات الحكومية بمساعدة القوات الدولية.

 ولقد كان الرئيس الأميركي جورج بوش واضحاً كل الوضوح حين أعلن أنه يريد <استنقاذ> حكومة السنيورة و<التجربة الديموقراطية> التي يعتبرها إنجازاً شخصياً ودعمها لاستعادة زمام الأمور في لبنان، ولكي يتحقق هذا المطلب الأميركي فلا بد من أن تطوي المقاومة أعلامها، وأن تنسحب من أرضها (وقد حدّدت لها إسرائيل المسافة بعشرين كلم) تاركة السيادة والاستقلال والوحدة الوطنية في عهدة القرار 1559 وجيش الدفاع الإسرائيلي، الأمين والملتزم تماماً بكل القرارات الدولية.

من هنا التركيز الإسرائيلي، ومن ثم الأميركي، على مسؤولية الحكومة اللبنانية عن هذه <الحرب>، ومطالبتها بتولي الأمر بيديها.. وهذا يعني وضع الحكومة في مواجهة المقاومة ونقل الحرب إلى الداخل.

 ولتسهيل هذه المهمة على الحكومة فإن الجيش الإسرائيلي، بطيرانه وبحريته ومدفعيته البعيدة المدى، باشر فرض الحصار على لبنان، براً وبحراً وجواً، فعطّل مطاره في بيروت، والمطارين الآخرين المهملين في رياق والقليعات، ومرفأه، ودمّر منهجياً وسائل المواصلات والاتصالات بين بيروت والحدود جنوباً، فنسف الجسور، وشنّ الغارات القاتلة على العديد من البلدات والقرى التي يعتبرها <قواعد خلفية> للمقاومة.

إذاً، فهي الحرب، بكل ويلاتها وخسائرها البشرية والعمرانية، وبكل أكلافها الباهظة، (وبينها أن يعود المصطافون والسياح أدراجهم من حيث أتوا..)

 .. وخصوصاً أن ثمة حكومة إسرائيلية جديدة برأس <مدني>، وهو يحتاج إلى رصيد من <القدرة على تحقيق النصر>... وقد جاءته الفرصة التي يبحث عنها لتأكيد جدارته بموقعه السامي، ولكي يثبت أنه لا يقل كفاءة عن أسلافه من الجنرالات الذين بنوا أمجادهم عبر تحطيم <الأعداء> داخل فلسطين ومن حولها.

 الهدف أميركي إسرائيلي مشترك. والحرب أميركية إسرائيلية مشتركة. والمطلوب رأس المقاومة، باعتبارها النموذج الناجح للقدرة على الإنجاز، والقدوة التي وصل إشعاعها إلى أربع جهات الأرض العربية، بل وتجاوزها إلى ما يجاورها من الأقطار، وهي بأكثريتها إسلامية، وتبحث عن الطريق إلى مستقبلها.

 ولقد علّمتنا التجارب أن ليس كل ما تقرّره إسرائيل ومعها واشنطن يمكن أن ينجح. ولبنان وحده قدّم القدوة في هذا السياق بصموده الرائع وقدرته على إنجاز التحرير وإخراج المحتل.

 على أن شرط النجاح هو توطيد الوحدة الوطنية وتماسك الحكم، الذي يدين بوجوده إلى جهد المقاومة في إنجاز التحرير.

 هي الحرب. وقد فرضها العدو. لكن القدرة على الصمود متوافرة. وها هي المقاومة تخوض المواجهة بالكفاءة التي عهدناها فيها. فصبراً آل ياسر...

 

جريدة السفير